محمد إبراهيم أبو سنة لـ"بوابة الأهرام": أتمنى كتابة قصيدة تتجاوز الواقع


23-6-2015 | 17:05


حوار - سماح إبراهيم

محمد إبراهيم أبو سنة، صاحب تجربة إبداعية بدأت منذ أكثر من نصف قرن، قدم خلالها العديد من الدواوين الشعرية التى تعُد بصمة مهمة فى خريطة الشعر العربى.

ورغم ما قدمه من منجز إبداعى حاز اهتمام النقاد والمثقفين وجمهور الشعر، فإنه يؤكد فى حواره لـ"بوابة الأهرام" عدم الرضا الكامل عن تجربته، كاشفاً عن رغبته فى كتابة قصيدة تتجاوز الواقع العربى.


لكل شاعر رؤيته الخاصة للمشهد الشعرى الراهن، و"أبو سنة" يرى بمصر تدفقاً شعرياً يشمل كل الأجيال، ابتداء من الخمسينيات حتى الآن. إلا أنه يؤكد أن هذا التدفق لا يكاد يجد القنوات التى تحمله إلى القارئ.

ويوضح: لأن حركة النشر تسودها الفوضى أيضاً، فرغم وجود بعض المجلات التى تعتنى بالشعر، فإنها سيئة التوزيع والإخراج، وربما يسيطر عليها الشللية والتفكير الجزئى والانحياز لشكل معين من الشعر دون الانفتاح على بانوراما الشعر بأكمله.

ويضيف صاحب ديوان "قلبى وغازلة الثوب الأزرق": ربما كانت لدينا مجلات تعنى بالشعر، لكنها حاليا فى مرحلة انطفاء، الشعراء حاليا يبدعون لكنهم لا يجدون القارئ أو الناقد. ومن ثم نحن أمام معضلة كبيرة. نعلم أن حركة الإبداع تستند على أربعة مرتكزات هى المبدع والمنتج الإبداعى والقارئ والناقد وكذلك المنبر.

ويتابع: لك أن تتخيل هذا الوضع الذى نمر به. حيث إن المبدع يلفه الإحباط لما يراه فى الواقع الذى يحكمه العنف والدم وبالتالى هو فى محنة حقيقية، وحين يبدع قصيدة فإننا لا نكاد نراه يزهو بإبداعه بقدر ما يشعر بالمحنة لأنه لا يجد من يتلقى ما يكتبه.

أما القارئ، فيشير "أبو سنة" إلى أنه هارب على الدوام، ولا أعرف أين ذهب، وبالنسبة للناقد فقد توارى لأن المساحة المتاحة له وغيرها تقلصت. وحتى الأدباء الذين يكتبون فى الصحف اليومية انحازوا للشأن العام والقضايا السياسية والاجتماعية باعتبارها إلحاحاً راهناً.

وربما اتجه للكتابة فى هذا الشأن بحثاً عن جمهور هارب من الإبداع الأدبى، إنهم يبحثون عن عين القارئ لكن لا أعرف هل وجدوه أم لا. ربما وجدوه للفترة التى يقرأ فيها القارئ المقالة، لكن زمن الصحيفة ينتهى آخر النهار.
لذا اعتقد أنهم يراهنون على جواد خاسر. لابد أن يتجهوا إلى تنشيط حركة الإبداع لأنها عصب اللحظة التى نعيشها. لابد من العودة مرة أخرى إلى الشأن الثقافى والإبداعى. فقد يمسكون بجوهر اللحظة الحاضرة بدلا من الطواف والتهوين حول هذه القضايا التى يكثر فيها الحديث. وما أكثر الذين يكتبون الآن فى الصحف عن خواطر لا تعنى أحدا.


وصرح صاحب ديوان "تعالى إلى نزهه فى الربيع" بأن رسالة الشاعر متعددة الزوايا والتكوين. وفى هذا الإطار يقول: النفس الإنسانية أيضاً متعددة الزوايا والأبعاد، لأن هذه النفس هى عالم خفى يمتلئ كل يوم بمزيد من المعرفة والوعى والتجربة، الشاعر أيضاً لأنه يبدأ بالولع باللغة وهذا الولع يدفعه الى القراءة والتعامل مع هذا السحر الذى ينبعث من الشعر.

ويستطرد: ذلك الشعر الذى ينبعث من التناسق اللغوى والإيقاع والخيال والأفكار التى تحدث فى نفس الشاعر، فكرة تعدد الأبعاد يمكن أن تنطبق على فكرة تعدد طبقات الوعى عند الشاعر، فالشاعر لديه الوعى المباشر بالحياة كإنسان لكن لديه وعي آخر بالتجربة الجمالية التى يمكن أن يصيغها فى كلمات وأخيلة وصور وموسيقى.


ويتابع صاحب "أجراس المساء": الشاعر دائماً فى حالة انهماك بحثاً عن الدهشة. وهذه الدهشة قد يجدها فى التجربة والكلمات والذكريات. ثم إن هذه الكلمة أيضاً هى كلمة مطلقة لأن تعدد الرؤية والطبقات التى يتشكل منها الوجدان أو النفس الإنسانية هى شيء طبيعى، لكن نقول الشاعر لأنه يغوص دائماً وراء المعانى المركبة ويصل فى حالات كثيرة الى شواطئ تدهشه هو نفسه.

وكثير من الشعراء حين يقبلون على كتابة القصيدة لا يعرفون كيف أو متى تنتهى. أو ماذا سيقولون بعد قليل. القصيدة فعل مدهش ومفاجئ وينبثق من المجهول، لكن هذا المجهول أيضاً هو معلوم من حيث الحقيقة النفسية والوجدانية والفنية والعلمية لأنه يأتى من التجارب التى يمر بها الشاعر سواء على مستوى الواقع أو اللغة والفن والفكر.

أتصور دائما أن كل شيء فى هذا العالم مركب، هناك إنسان يرى الأشياء بسذاجة، وآخر أعمق فى تفكيره يرى الأشياء مركبة بطريقته ويستخلص من التجربة أبعاداً لم تكن واضحة فى المرحلة الأولى، فالشاعر من هذه الكائنات التى تسعى إلى العمق والغوص وراء المعانى والأفكار ولهذا كان الشعر والشاعر كلاهما متعدد الأبعاد والزوايا ومتعدد درجات وطبقات الفعل الشعر.

ردد "أبو سنة" فى إحدى قصائد ديوان "مرايا النهار البعيد" أن الزمان اختلف، لكن إلى أى مدى رصد هذا الاختلاف؟
يقول شاعرنا: الزمن يتغير فى كل لحظة ودقيقة، لكن هذه المقولة ربما تصح فى المراحل المفصلية التى تقع فيها أحداث كبرى، ويصبح تحول الزمن علامة من علامات المرحلة، فالتغير قائم منذ زمن طويل ويحدث فى كل حقول المعرفة وحياة البشر.

هذه مقولة صحيحة بشكل مطلق لأنه لا شيء دائم، لكنى أقف عند هذه المقولة فقط عندما تحدث تحولات مفاجئة ومسرفة فى ضخامتها.

ويوضح: منذ أكثر من 40 عاماً ونحن نفاجئ أنفسنا فى حالة من التغيير على المحيط السياسى والعلمى والفكرى والاجتماعى إلى أن وقعت المنطقة بأكملها فى هذا الصراع الدموى الذى لا تكفى فيه كلمتى "الزمان اختلف" وإنما تحول فيه الزمن إلى كائن دموى. رغم أننا لا نشعر بالزمن لكنه يتجسد فينا وفيما حولنا بصورة دموية.

منذ 4 سنوات والتحولات المتوحشة تصدمنا فى مصر والعالم العربى الذى يغرق ببطء وكأنه سفينة هائجة فى محيط هائج تتقاذفه الأمواج من جميع الجهات. ويبدو أن قدرة هذه الأمواج الهائجة تتفوق على قدرة الربابنة الذين يقودون السفينة ويوجهونها.

ربما كان تعبيرى "الزمان اختلف" عندما قلتها فى أوائل الثمانينيات حيث كنت أرصد حالة نفسية وجماعية فى مصر والعالم العربى بعد حرب 73 والانتصار ثم معاهدات السلام ودخول مصر فى مرحلة سياسية جديدة بعد اغتيال السادات.

ويضيف صاحب ديوان "البحر موعدنا": كنت أتصور أن الزمان اختلف. أما إذا قمنا بتشخيص حالة الاختلاف فهى كما يراها الجميع حيث تتسربل المنطقة برداء من الدم والنار. وأكثر ما يؤلمنى فى هذه المرحلة أننى لا استطيع النظر فى عيون الأطفال، سواء أطفال اللاجئين الهاربين من الجحيم على الحدود السورية والعراقية أو داخل اليمن أو الصومال او المناطق المشتعلة.

وأردف صاحب ديوان "تأملات فى المدن الحجرية": يمكن أن نطلق جملة "الزمان اختلف" على زمن الأدب والسياسة والفكر والعلاقات الإنسانية التى اتسمت فى تلك المرحلة بالتهرب والعدوانية. هذه الجملة البسيطة هى كون تتجلى فيه كل مفردات العالم وكل التكوينات الوجود رغم أنها جملة من كلمتين، فإنها كون بأكمله وعلينا أن نفتح صندوق هذه الجملة لتنبعث فى نفوسنا وحولنا الآف الأسئلة والتصورات والأفكار والأحلام والصراعات والأحلام. بالفعل الزمان اختلف والبرىء انتهى واللبيب احترف.

هناك من يرى أن "الأنا" ترتفع لدى شعراء الفصحى مما أسكنهم فى أبراج عاجية حيث صعوبة اللغة وثقلها على الفهم، ومن ثم فقدت حلقة الوصل مع المتلقى. لكن "أبو سنة" يؤكد أنه لا يمكن إطلاق هذا المفهوم بشكل مباشر على كل شعراء الفصحى أو الإبداع الشعرى فى هذه المرحلة التى تتسم بالاضطراب اللغوى و الأدبى والفنى.

ويوضح: شعراء الفصحى يقومون دائماً بالبحث عن الأعمق والأجود والأكثر إثارة ودهشة فى حالات كثيرة جداً، هم يسعون وراء الإبداع المتفرد والمتميز سواء كان هذا الإبداع منسوباً من لغة عالية أو متوسطة أو هابطة. فكل شاعر يعمل وفقاً لمستوى موهبته.

أريد القول إنه لا أحد الآن يسكن الأبراج العاجية، كلنا مطروحون فى ساحة الواقع الذى يتنافر فى مشاهد وصور وأشياء تحدث فى كل لحظة، فأين هم الذين يجلسون فى الأبراج العاجية؟ عموما من يعيشون فى هذه الأبراج هم المرضى النفسيون.

كتب "أبو سنة" عشرات القصائد التى اعتبرت علامات مهمة فى الشعر العربى، إلا أنه يقول: أريد أن اكتب قصيدة تعجب الجميع وتملؤنى بالراحة والرضا عن النفس والثقة بالنفس. مضيفاً: لا اكتب إلا إذا كنت صادقاً، لكن الشعر ليس فى متناول الشعراء طوال الوقت. القصيدة حدث مفاجئ ومدهش.

أتمنى أن أكتب قصيدة قادرة عن استيعاب ما يحدث فى الواقع وتتجاوز هذا الواقع إلى رؤية مستقبلية على مستوى الإبداع أو الواقع أو الوعى الجمالى للشعر فى هذه المرحلة. أريد أن كتب القصيدة التى تتجاوز الواقع الإبداعى فى العالم العربى.