تاريخ حكام مصر مع اللحية: وضعتها حتشبسوت وأطلقها السلاطين ومنعها العسكر وأعادها مرسي


30-6-2012 | 23:57


محمد الجوهري

لم تكن اللحية قديما دليلا على التدين، لكن سمة لعلية القوم ودليلا على سمو المكانة وعراقة النسب، فقد أطلقها الملوك والأمراء ورجال الدين وأشراف العائلات والأسر حول العالم، وفي عصور المصريين القدماء كان الفرعون يرتدي لحية مستعارة لتمييزه، ويظهر ذلك من خلال تماثيل الملوك، لدرجة أن الملكة حتشبسوت وضعت لحية لتمثال يصورها، طلبا لترسيخ مكانتها كملكة حاكمة لمصر.

كان وجود اللحية عند الشعوب في الشرق الأوسط قديمًا يعتبر علامة على النضج والبلوغ والافتخار والكرامة، وكان إهمالها دليلا على الحزن. ولكل شعب أسلوبه في العناية باللحية، بحلقها أو الإبقاء عليها.. فكان المصريون القدماء، يحلقون رءوسهم ولحاهم، لكنهم كانوا يلبسون لحى مستعارة، بل إن كثيرًا من تماثيل النساء من الطبقات العليا مزودة بلحى مستعارة. أما في وقت الحزن فكانوا يطلقون شعورهم ولحاهم، ومازال هذا متبعًا عند بعض الطبقات.

محمد علي باشا


وقد اختلف لون وكثافة اللحية بين الملوك، فكان لكل منهم شكل يميزه عن غيره، فنجد عزيز مصر، محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة وحاكمها بين عامى 1805 إلى 1848، عظيم اللحية بيضاء اللون، يظهر ذلك في العديد من صوره الشخصية، واستطاع محمد على أن يعتلي عرش مصر عام 1805 بعد أن بايعه الأعيان ليكون واليًا عليها، بعد أن ثار الشعب على خورشيد باشا، واستمر في حكم مصر 43 عاما، ليكسر العادة التركية التي لم تترك واليًا على مصر لأكثر من عامين.

إبراهيم باشا

أما إبراهيم باشا، الابن الأكبر لوالي مصر، فنجد أن لحيته كانت أقل كثافة من والده، ولكنها كانت ذات اللون بيضاء، وعين واليا على مصر بعد مرض والده، ولم يستمر في منصبه نحو شهرين، رغم أنه كان قائدا عسكريا ناجحا تمكن من قيادة الجيش المصري و حارب في شبه الجزيرة العربية حتى تمكن من تدمير مدينة "الدرعية" عاصمة المتمردين، ومنحه السلطان العثماني لقب "أمير مكة"، وتوفي في 10 نوفمبر 1848.

عباس حلمي الأول

واختلفت لحية عباس حلمي الأول، الذي تولى حكم مصر في ٥ ديسمبر ١٨٤٨ في حياة جده محمد علي باشا، عن عمه وجده، حيث كانت أقل كثافة وسوداء اللون، أعاد عباس حلمي، تشكيل المجلس الخصوصي عام ١٨٤٩، وعدل اسمه لـ"ديوان محافظة مصر"، كما أنشأ في العام نفسه "مجلس الأحكام" وكان يشارك المجلس الخصوصي في السلطة التشريعية، كما كان يشرف على السلطة القضائية، وتوفي مقتولا عام ١٨٥٤.

محمد سعيد باشا

فيما نجد محمد سعيد باشا، رابع والي علي مصر، ونجل محمد علي، يظهر في كثير من الصور بلحية كثيفة عن سلفه في ولاية مصر ولكن باللون نفسه. تولى الحكم في 14 يوليو 1854، وحتي ١٨ يناير ١٨٦٣، منح سعيد فرديناند ديليسبس عام ١٨٥٤ امتياز حفر قناة السويس، واشتركت مصر خلال عهده في حربين هما: حرب القرم، وحرب المكسيك.

الخديو إسماعيل

أما الخديو إسماعيل، والذي حكم مصر منذ ١٨ يناير ١٨٦٣ حتى ٢٦ يوليه ١٨٧٩، فظهر بلحية تتشابه مع لحية عباس حلمي، حيث كانت أقل كثافة عن غيرهما من الأسرة المالكة. فتح إسماعيل أبواب مصرللتدخل الأجنبي بعد أن اندمج في تيار الاستدانة، ومكن الأوروبيين من السيطرة على مرافقها، وكانت أوروبا نفسها تشجع إسماعيل على سياسة الإقراض، كما أن قناة السويس كانت مطمعًا للدول الاستعمارية للتدخل في شئون مصر، تولى إسماعيل حكم مصر والعمل جار بقناة السويس، فمضى فيه، حتى افتتحت للملاحة عام ١٨٦٩، وأنشأ دار الكتب في ٢٦ من سبتمبر ١٨٧٠، ووقع معاهدة مع بريطانيا عام ١٨٧٧، لمنع الاتجار بالرقيق وإبطال الرق.

الخديو محمد توفيق

أكبر أنجال الخديو إسماعيل، تولى حكم مصر في ٢٦ يوليو ١٨٧٩ حتى ١٨٩٢، لم يدرس خارج مصر على خلاف أغلب أعضاء الأسرة المالكة، فعندما بلغ التاسعة من عمره أدخله والده مدرسة المنيل، ثم المدرسة التجهيزية. كان مظهر توفيق يتقارب إلى حد كبير من والده إسماعيل، حتى في اللحية التي تكاد لا تجد اختلافا بينهما في الكثافة واللون.

ومنذ تعيين الخديو عباس حلمي واليا على مصر، اختلف مظهر الأسرة الحاكمة، حيث حلقت اللحية باستثناء الملك فاروق الذي غير شكل لحية أكثر من مرة حيث ظهر في بداية حكمه بلحية وبدون لحية، ثم لحية كاملة وبعد فترة اكتفى بمنطقة الذقن فقط، ثم وحلقها، وأصبح للشارب شكل مميز، إذ كان شاربه مهذباً من عند الأطراف ومتجهاً إلي الأعلي، بحيث يشكل من المنتصف رقم 8 ثم يرتفع الطرفان إلى أعلى.

الخديو عباس حلمي الثاني

ولد في ١٤ يوليو ١٨٧٤، وهو أكبر أبناء الخديو توفيق، تولي الحكم في السابعة عشرة من عمره وكانت مصر محتلة منذ ١٠ سنوات، ووقعت في عصره حادث دنشواي ومد امتياز قناة السويس، وتنازل عن أي حقوق في العرش نظير مبلغ كبير دفعتها له الحكومة المصرية عام ١٩٣١، وتوفي في ١٩ ديسمبر ١٩٤٤ بسويسرا.

السلطان حسين كامل

تولى عرش مصر بعد خلع الخديو عباس حلمي الثاني، في ١٩ ديسمبر عام ١٩١٤، إثر إعلان الحماية البريطانية على مصر في الوقت الذي اندلعت فيه الحرب العالمية الأولى، وكان هو الآخر حليق الذقن، مميز الشارب مثل "حلمي"، وتوفي كامل في ٩ أكتوبر ١٩١٧ وكان لديه ابن واحد، وهو الأمير كمال الدين حسين، وقد تنازل عن حقوقه في تولي السلطنة.

الملك أحمد فؤاد الأول

أصغر أنجال الخديوي إسماعيل، جلس على عرش مصر في ١١ أكتوبر ١٩١٧. وكان يبلغ وقتئذ الخمسين من عمره، شُكلت في عهده أول وزارة شعبية برئاسة سعد باشا زغلول في يناير عام ١٩٢٤.

الملك فاروق الأول



الابن الأصغر والولد الوحيد للملك أحمد فؤاد الأول، أصبح واليًا للعهد وعمره 16 عاما، اعتلى عرش مصر في ٢٩ يوليو ١٩٣٧، بعد بلوغه سن الثامنة عشرة، وفي صباح يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢ قام الجيش المصري بثورة للإطاحة بالملك فاروق، وغادر مصر في صباح ٢٦ يوليو ١٩٥٢ على اليخت المحروسة، وكان في وداعه اللواء محمد نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة واتجه إلى أوروبا، وأقام في روما عاصمة إيطاليا.

بدأ فاروق حكمه بدون لحية لصغر سنة، ثم أطلقها، وبعد ذلك قام بإعطائها شكلا مختلفا عن جميع الحكام، حيث اكتفي بظهورها في منطقة الذقن فقط، ولم يستمر الأمر طويلا وحلقها في نهاية حكمة.

الملك أحمد فؤاد الثاني

ولد في ١٦ يناير ١٩٥٢، بالقاهرة، وأصبح ملكًا على مصر في ٢٦ يوليه من العام نفسه، وهو نجل الملك فاروق الأول، وبعد عزل الملك فاروق وتنازله عن العرش لابنه، شكل مجلس وصاية على العرش من الأمير محمد عبد المنعم، وبهي الدين بركات، ورشاد مهنا (ممثل الجيش)، ثم قام مهنا بإقالة أعضاء مجلس قيادة الثورة رشاد مهنا بعد أقل من 3 أشهر.

استمر أحمد فؤاد ملكًا تحت الوصاية (١١) شهرًا، وانتهى عرشه بإعلان الجمهورية في ١٨ يونيه ١٩٥٣، وكان عمره عقب تنازل والده عن العرش 6 أشهر.

انتهاء حكم الأسرة المالكة.
وفي 18 يونيو 1953 أصبح نظام الحكم في مصر جمهوريًا وعين اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر، لينتهي حكم الأسرة المالكة، وبيدأ حكم العسكر، الذي منع طوال فترة حكمة ظهور اللحية، فلم يطلق أي فرد في الجيش لحيته واكتفوا بتربية الشارب، فيما حلقه الرئيس المخلوع حسني مبارك.



وخلال 58 عامًا حكم مصر 4 رؤساء عسكريين هم: محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وأنور السادات، وكان آخرهم حسني مبارك، الذي استمر في الحكم 30 عاما، حتى تنحى عن الحكم في 11 فبراير 2011 تحت ضغط احتجاجات شعبية، اندلعت في 25 يناير من العام نفسه، وقام بتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، ومنذ هذا التاريخ والمجلس الأعلى يقوم بمهام رئيس الجمهورية حتى تعود السلطة للرئيس المنتخب.
وما إن أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في 24 من الشهر الجاري نتيجة جولة الإعادة لانتخابات الرئاسية، بفوز الدكتور محمد مرسي، والذي يعتبر أول رئيس للجمهورية الثانية بعد ثورة 25 يناير 2011، عادت اللحية على وجه الرئيس المنتخب للحكم في مصر مرة أخرى بعد أن غابت منذ عام ١٨٩٢.